google-site-verification=0srey4iLihuuP-9f3u-tWZ6N2qo1heq4Dz3hMod1G18
أخبار عاجلة
عمرو الضوي

عمرو الضوي يكتب ” جوع المال “

“جوع المال”

بقلم ـ عمرو الضوي :

جلس أدهم علي كرسي المنضدة بصعوبة بعدما خارت قواه، لم تعد قدماه تحمله فلم يأكل أو يشرب منذ البارحة ليس بإرادته بل رُغمًا عنه، فقد وصل الحال بالناس إلي أكثر من ذلك فشَحَّت المياه ونقص الغذاء بشدة وأصبح من يملك زجاجة مياه أو قليل من الغذاء من الأثرياء، فلم يعد الثراء بالمال كما كان فالمال كثير الآن لكن ليس له قيمة فماذا تشتري به إن لم يوجد ما تشتريه؟؟؟
إنهمرت الدموع من عيني أدهم بعدما إلتقت عيناه بعيني ولده المُلقي علي الأريكة بلا حول ولا قوة يريد شربة من الماء أو حتي حفنة صغيرة أو لقمة يسد بها جوعه لكن لا يستطيع أن يفعل له شئ، فلا يوجد في المنزل سوي نصف زجاجة مياه يشرب منها هو وزوجته وأبناؤه رشفات لا تروي من ظمأ كل يوم حتي لا تنفذ فإذا نفذت سيموتون من العطش ويوجد من الطعام رغيفي خبز يابسين يأكلا كل يومٍ منهما كِسرة صغيرة.
وعلي الأريكة الأخري إبنته سلمي ذات الخمسة عشر عامًا ملقاة كالخرقة البالية شاردة عيناها لأعلي وتقول بصعوبة: لم نحمد الله علي ما كنَّا فيه من النعم حتي أزالها الله منَّا ثم بكت وإزداد بكاء أبيها لبكاؤها، وعلي الكرسي المقابل له مباشرة زوجته كريمة نائمة وتضع يديها تحت خدها في عالم آخر لا تفارقها الهلاوس تحلم بشربة ماء أو بلقمة صغيرة تسد جوعها.
مسح أدهم دموعه وقام بصعوبة يريد فتح النافذة علَّه يجد أي شئ يستطيع إنقاذ عائلته به فقد سمع في المذياع أن المحافظة وفرت بعض الطعام والشراب القليل لكل حي وفرح الناس ساعتها بهذا الخبر، فتحامل علي نفسه حتي وصل للنافذة وبصعوبة بالغة فتحها وجال ببصره هنا وهناك بلا جدوي، فالطرقات خالية والمحال التجارية مغلقة ليس هناك ما يبيعونه، وهمَّ بإغلاق النافذة ولكنه سمع صوت جاره بجانبه في النافذة الأخري يبكي ويقول: ها هو المال ليس له عدد ماذا أشتري به؟، لقد كان هناك الطعام والشراب وكان من المال اليسير كنا نشتري ما يكفي حتي ولو قليل، الآن ماذا أشتري هل نأكل المال أم نشربه؟، ثم يصرخ: هل نأكل المال أم نشربه، فليجبني أحدكم؟، كان لديكم الطعام والشراب ولديكم من المال القليل والآن ماذا لديكم؟ المال؟ اللعنة عليكم اللعنة عليكم.
زاد حزن أدهم وكان قلبه يعتصر ألمًا من كلام الرجل ولكن أخرجه من حالته صوت سيارة قادمة أول الطريق، فدقق أدهم النظر فإذا هي سيارة المعونة التي بها الطعام والشراب فعادت له قوته كالأرض القاحلة التي سُقيت بالماء وصرخ بأعلي صوته: إنَّها سيارة معونة الدولة……
هرول الناس من بيوتهم كالمجانين إلي السيارة التي وقفت في وسط الطريق ومعهم المال، كانوا كالتتار الزاحفين نحو أعداءهم مما أثار رعب السائق ومساعده الذي صرخ فيهم: سنوَّزع كل شئ لكن بالنظام فلتقفوا صفَّا واحدًا…. لكن كأن لم يقل شيئًا فهم صمٌ بكم ولكنهم ليسوا عُمي فنظرهم ثاقب نحو ما يريدونه، حتي إذا هجموا علي السيارة فرَّ السائق ومساعده ناجين بأنفسهم من براثنهم وهربوا بعيدًا وفتح الناس السيارة فإذا بالقليل من الطعام والشراب فإنقضوا علي ما فيها في وقت واحد وأصبح إقتتال عنيف للغاية وإختطفوا الطعام والشراب من بعضهم كالمسعورين حتي فسد أغلب الطعام وإنسكب الماء علي الأرض، ولم يُغنِ عنهم ذلك من شئ فلم يزدادوا إلا جوعًا وعطشًا بالإضافة إلي الجروح والإعياء الشديد، وبينما هم كذلك إذ أظلتهم غيامة كبيرة في السماء تقترب منهم شيئًا فشيئًا فإستبشر البعض وظنُّوا أنها الغيث جاء إليهم حتي يرتووا من عطش شديد، وظنَّ البعض الآخر أن فيها العذاب قد حلَّ بهم لما فعلوه………..
قبل عشر سنوات……..
مدرسة المستقبل الإعدادية المشتركة
وبهذا يا تلاميذي الأعزاء نصل إلي نهاية الدرس اليوم وقد شرحنا فيه (الشِدَّة المستنصرية) االتي حدثت في عصر المستنصر المشؤوم في عصر الدولة الفاطمية وأتمني أن أكون وُفقت في إيصال المعلومة لكم علي الوجه الذي ينبغي.
وهنا رفع تلميذًا يده طالبًا الإستفسار عن شئ ما فأذِن له المعلم فقال التلميذ: وهل يمكن أن تحدث في عصرنا الحالي مجاعة كهذه مرة أخري؟
المعلم: ربما، فالتاريخ يعيد نفسه فإذا لم نحفظ النعم التي أنعم الله بها علينا وظللنا نشتكي دومًا من ضيق الحال بداعٍ وبدون داع فيمكن أن تحدث مجاعة عظيمة كالشدة المستنصرية، فرغم أننا في ظروف لا يعلمها إلا الله لكننا نستطيع بحمد الله أن نأكل وأن نشرب أما أيام المجاعة في الشدة المستنصرية وصل الحال بالناس لأكل القطط والكلاب أعزكم الله بل ومنهم من أكل بعضهم من شدة الجوع فالذي لا يتعلم من ماضيه ليس له مستقبل….. تمت

شاهد أيضاً

البلدي يوكل” يشعل مسرح جلال الشرقاوي

كتبت/ نادية ترك على مسرح جلال الشرقاوي، اللي يعتبر واحد من أهم المسارح اللي شهدت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *